كرامة الشعب في وقف الحرب
دروب الحقيقة:
(1)
خلال سنوات الحرب الطويلة في جبال النوبة /جنوب كردفان، اختبر المواطنون أنفسهم وقدراتهم وإمكانياتهم، من خلال التجارب والمآسي والفظائع والأهوال التي مروا بها وعمليات النزوح في وطنهم واللجوء في الشتات والموت الصامت بالمعاناة التي جابهتهم في وطنهم، فاطلقوا في كادقلي عاصمة الولاية، شعار (الدانة ولا الإهانة) وهو تلخيص عبقري ومكثف، لتجربة النزوح ومعاناة الإذلال القاسية. واليوم يقف ملايين السودانيين والسودانيات أمام هذا القول الموجز الذي لخص فداحة تجربة الحرب، التي لم يتأملوها من قبل، وهى جديرة بالتأمل والدراسة والإعتبار. فالشعار يقول ببساطة أن الموت في المنازل بقذائف الحرب أفضل من التشرد والإهانة ولكن ما يعانيه السودانيون، ليس هو الموت وحده ولكنهم يواجهون الإهانة والموت معا..فالموت ليس هو خروج الروح من الجسد فقط، بل فقدان الأمن والطمأنينة موت، وعدم القدرة عل تلبية الحد الأدني من مستلزمات الحياة موت، والخروج اضطرارا من بيتك ومنزلك موت، والعجز عن توفير العلاج لمريض يعاني الألم هو موت، والقلق والذعر الذي خيم على الأبرياء والعجزة والأطفال، هو موت، وغياب البسمة من الشفاه والوجوه موت، وتوقف ألعاب الأطفال وشغبهم البريء موت، وهذا ما قصده مواطنو كادقلي بشعارهم القاسي والمؤلم، ولكنه كان عن تجربة عملية ،حين فضلوا البقاء في منازلهم تحت وقع القصف ورجم الدانات القاتلة وهدير المدافع، على الإهانة التي يتعرضون لها بفقدهم الأمن والاستقرار ..
(2)
إن كرامة الشعب السوداني وعزته اليوم هى في وقف الحرب والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، ووضع حد لعمليات الخراب والنهب المنظم والتدمير الممنهج الدائر منذ 16 أبريل 2023م في العاصمة وعديد المدن المنكوبة.
.كرامة الشعب السوداني في عودة المشردين والنازحين واللاجئين إلى بيوتهم المهجورة والمنهوبة والخالية من كل أثر للحياة. الكرامة والعزة في ستر عشرات الجثث المجهولة التي تحللت في الشوارع والطرقات والأزقة بلا كرامة أو قبر ، الكرامة في عودة الحرائر إلى خدورهن وأحضان أسرهن معززات مكرمات من ذل السؤال وإراقة ماء وجوهن في أطراف الشوارع وبوابات المساجد. كرامة الشعب في صرف مرتبات الموظفين و العاملين بالدولة، ليتمكنوا من تلبية احتياجات أطفالهم وابناءهم وبناتهم الحياتية وعلاج المرضى منهم .كل العزة والكرامة أن نوقف نشر غسيلنا القذر وأحقادنا وكراهيتنا لبعضنا أمام الأطفال في الوسائط والميديا، وبلا رقيب من خلق أو وازع من ضمير، والكرامة أن نكف عن عرض خلافاتنا وصور نهب منازلنا على شعوب العالم، وعلى الأعداء والأصدقاء معا، وتلك لعمري حرب عدمية!
العزة والكرامة أن نحترم تاريخنا ونعترف بتنوعنا الاجتماعي والديني والثقافي، وأن نمتلك الإرادة، لنديره بوعي وحكمة وعدل وإنصاف.
الكرامة كل الكرامة في رعاية مواردنا بنزاهة ومسؤولية وأن نحافظ على حقوق الجميع ونعدل بينهم في كل مؤسسات الدولة، وأن نتخلي عن عقلية الوصاية والسيطرة والاستحواذ والتعالي الأجوف ..
الكرامة في التخلي وللأبد عن المواقف والممارسات العنصرية الشائهة، والجهويات الضيقة، والتسامي على جراحات الماضي القبيح وأخطاء الأفراد وقصور المؤسسات ..
فالحياة تتدفق دائما إلى أمام ولن تعود إلى الوراء.
.كرامة الشعب السوداني في وقف الحروب ومعالجة جذور الأزمة الوطنية، وعودة الحياة إلى طبيعتها في كل ربوع الوطن، والإحتكام لصوت العقل والمنطق وإلى حقائق الوجود والقانون، وإرادة الجماهير وخياراتها في الحياة.
.الكرامة اليوم عنوانها الرئيس وقف الحرب، وأي حديث غير ذلك يصب في إذلال الشعب وإهانته وليس كرامته…