اخر الاخبار

من االذي صنع حركات دارفور المسلحة؟ ام ماذا صنعت الحركات المسلحة (١)

0

انغام الحرية

الصادق علي حسن المحامي يكتب :

في مقابلات صحفية أثناء فترة حكمه ،كما وفي كتابات لاحقة للرئيس الأثيوبي الأسبق منغستو هيلامريام من ملجئه بدولة زيمبابوي ضمن قضايا ومصالح بلاده مع دولتي حوض النيل مصر والسودان وعن تكوين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد د جون قرنق في عام ١٩٨٣م ، كشف منغستو عن بعض متلازمات نشأة وتكوين وتجارب الحركات المسلحة في أفريقيا عامة وعن نشأة وتكوين حركة تحرير السودان بقيادة د جون قرنق بصورة خاصة ، وفي أقوال منغستو إزالة النقاب عن نشأة وتكوين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د جون قرنق وعلاقته هو شخصيا ودولة اثيوبيا بالحركة الشعبية وتكوينها ، تحدث منغستو عن توترت مكتومة بينة الفينة والأخرى في العلاقات بين دولة إثيوبيا التي كانت تتبنى الفكر الماركسي في عهده والسودان حليف الغرب في عهد النميري وقتذاك بما يشير لبروز اصابع للنظام السوداني بقيادة الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري في أثيوبيا وكان ذلك بحسب قوله منذ إستيلائه ورفاقه على السلطة في إثيوبيا والإطاحة بالإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي في عام ١٩٧٤م وكان منغستو الضابط الأبرز في ديرغ التي حكمت إثيوبيا من ١٩٧٤م – ١٩٨٧م فرئيس جمهورية إثيوبيا الإشتراكية الديمقراطية في الفترة ١٩٨٧م – ١٩٩١م وهو ايضا مؤسس حزب عمال أثيوبيا ، قال منغستو لقد كنا نبحث عن قرنق في السودان ، ولو لم يظهر قرنق في عام ١٩٨٣م لصنعناه بأنفسنا ، وقرنق الذي كان يبحث عنه منغستو ورفاقه لم يكن محددا أو معروفا ولم يكن بالضرورة هو جون قرنق نفسه وقد كان يستوي عند منغستو ورفاقه ان يكون قرنق هو جون قرنق صاحب الإسم، أو عقار بالنيل الأزرق أو ادروب بشرق السودان أو أي مكان آخر بأي منطقة مجاورة اومتاخمة لأثيوبيا لمخاطبة قضايا اختلال توازن المصالح بين بلده إثيوبيا والسودان، وهذه مسأله أخرى ، كما وان جون قرنق نفسه والذي ابتعثه النميري لتسوية تمرد كتيبة مسلحة بجنوب السودان بدأت تمردها بمطالب خاصة بها ثم الحقت بها رفضها لإلغاء النميري لإتفاقية أديس أبابا ، ولم يسع قرنق المُبتعث من جانب النميري لإخماد تمرد الكتيبة العسكرية المذكورة بجنوب السودان ، بل انضم إلى المتمردين وقادهم وأنشأ الحركة الشعبية لتحرير السودان وصارت من ضمن مطالب حركته إعادة صياغة منهج الحكم في البلاد وإنهاء سيطرة المركز على الأقاليم ، ما وددت قوله بذاك الإستشهاد ان الظروف تشكل الوقائع وان الوقائع تؤسس لإنتاج الوسائل لتسوية الأوضاع القائمة في الصراعات السياسية السلمية او المسلحة ، فبعد ان تأسست الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د جون قرنق كانت وجهتها شرقية تجاه الإتحاد السوفيتي وكوبا وشعاراتها إشتراكية وشيوعية مثل منغستو ودولة إثيوبيا وبسقوط الإتحاد السوفيتي في عام ١٩٩١م تحول قرنق غربا وكانت دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية هي الضامنة لإتفاق سلام نيفاشا بكينيا في عام ٢٠٠٥م والموقعة بينه وبين علي عثمان طه والتي انتهت بفصل جنوب السودان ، هذه الإستهلالية بدأت بها هذا المقال لأخلص بالرأي أنه ليس من المهم من صنع الحركات المسلحة في دارفور أو في غيرها بمثلما ذهبت الأستاذة رشا عوض من عرض لحيثيات خذلانها الشخصي في الحركات المسلحة في دارفور وذلك بحسب ما جاء في مقالها وحسرتها لتؤسس على ذلك المقال الموسوم بمن صنع حركات دارفور المسلحة وفي إجابتها على تساؤلاتها ردت هي بذات نفسها وحصرت إجابتها في المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د جون قرنق ، وبقدر إحباط الشارع السوداني عامة والدارفوري خاصة من نتائج الحركات المسلحة فإن الشارع السوداني كان أيضا محبطا من نتائج إنفصال جنوب السودان بإستثناء منسوبي حركة الإسلام السياسي، مقال الأستاذة رشا عوض رد عليه الدكتور محمد جلال هاشم ثم القائد عبد العزيز الحلو وتوالت الردود من إبراهيم سليمان ابكر والدكتور عبد الرحمن الغالي ومحمد بدوي وقد تكون هنالك مقالات أخرى لم أطلع عليها، وما دفعني للكتابة ليس لتأكيد صحة هذا الرأي أو ذاك ولكن في تقديري انصبت الآراء حول الحركات المسلحة في دارفور وهل كما ذهبت رشا بمثابة المحامي الفاشل لقضية دارفور وهل هي من صنيعتي الشعبي بقيادة الترابي والحركة الشعبية بقيادة قرنق ، ام السرد التاريخي للقائد الحلو في تأكيد ان الحركات عبارة عن تطور تاريخي لظلامات الإقليم وموالاة المركز للمجموعات العربية على حساب غير العربية ،وبين هذا الرأي وذاك تجاوز أصحاب الآراء الموضوع الأهم ، وماذا صنعت الحركات المسلحة سواء في دارفور أو في غيرها، وماذا كان في مقدورها ان تفعل بعد ان صَنعت نفسها او صُنعت بواسطة غيرها ، وهل هي لا تزال وسيلة التعبير الأفضل التي تحقق اهداف ومطالب مناطق الهامش السياسي إذا جاز الوصف .
كتب الدكتور الوليد مادبو والمستشار عبد الرحمن حسين دوسة عن محصلة نتائج الحركات المسلحة والدعم السريع في دارفور بصورة موضوعية قد يجد الباحث فيها إجابات لمآلات نتائج ما صنعت الحركات المسلحة بما فيها من دعم سريع وان أقليم دارفور لم تستفد من تجارب الحركات المسلحة المنضوية في السلطة أو الدعم السريع بل حصد الإقليم المنازعات القبلية وظاهرة التجييش وإضعاف مظاهرة الدولة المدنية ، في تقديري المتواضع ان المجتمعات المحلية بمختلف وتعدد تقسيماتها وتنوعها كانت متعايشة والمنازعات كانت محدودة ولكن السياسة هي التي أنتجت الأزمات وعمقتها حتى صارت رمزية القبيلة والجهة من ادوات ممارسة السياسة والوصول للسلطة،
وصارت البندقية والحركات المسلحة ظاهرة ووسيلة من وسائل نيل السلطة والثروات بأقرب الطرق والشواهد ماثلة في السلطة القائمة حاليا هنا وهناك وقوات الدعم السريع المنشأة بموجب قانون اصدره برلمان المخلوع بدأت بحركة الجندي المظلوم ،كما وان تكوين هذه الحركات قد صار سهلا، و لا يحتاج سوى لزي عسكري وكدمول وشوية بنادق وبيان في الوسائط ، وبمثلما صارت الحركات المسلحة كذلك صارت التنظيمات السياسية مجرد لافتات يمكن لزوج وزوجه تكوين حزب سياسي وهذه هي الأزمة الأخرى في المشهد السياسي بالبلاد .
الإنقسام المجتمعي :
بخلاف حالة توالد الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية لا توجد افكار مطروحة أو برامج لذلك صارت التكوينات المسلحة والحزبية وسائل الوصول إلى السلطة وفقدت الممارسة السياسية الراشدة والتعبير عن المبادئ والقيم الإنسانية وضعيتها لدى من يمتهنون مهنة الحركات المسلحة أو التنظيمات السياسية ، لقد كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د جون قرنق تطرح السودان الجديد وفي تعريف مؤسسها بأن السودان الجديد إجراءات تتم بمشاركة كل السودانيين في أحداث التحول نحو دولة إحترام التعدد والعدالة والمساواة، هذه المواريث بعد وفاة مؤسسها لم تعد بذات وهجها وبريقها بل غابت حتى في أدبيات الحركات التي تتخذ من مؤسسها د قرنق مرجعية لها ، لقد اكتفى ياسر عرمان بتجديد الكتابة والحديث عن انطباعاته الشخصية عن د قرنق وقيادات الحركة وقد تحصن مالك عقار بالسلطة وهنالك تلفون كوكو ودانيل كودي ،كما وهنالك خميس جلاب، ومن الأراضي الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان القائد الحلو ولكن اين هي اطروحات السودان الجديد ،وفي دارفور الحركات المسلحة ظلت تتوالد بصورة راتبة ، وقد تكون الحركة التي يقودها الأستاذ عبد الواحد محمد نور الوحيدة التي ظلت لها مواقف ثابتة وتطرح مشروع الرجوع إلى الشعب والشارع ليحدد خياراته، في الشهر الماضي تجمعت بنيامي عاصمة النيجر اثنتي عشرة حركة من دارفور تحت مسمى المسار الديمقراطي وثلاث حركات أخرى بصفة مراقبين. لذلك السؤال المهم إلى أين ينتهي الحال بالبلاد في ظل هذه الأوضاع ، من خلال معرفتي ببعض جوانب نشأة وتطور الحركات المسلحة في دارفور أكاد أجزم بأن الظروف هي التي صنعت الحركات المسلحة في دارفور وعلى رأسها سياسات النظام البائد وحينما اعلنت الحركات المسلحة في دارفور عن نفسها كانت الغالبية في دارفور تؤيدها ومن خلال ذلك التأييد تعبر عن سخطها عن نظام البشير ، صحيح كان هنالك نزاعا اهليا بين فرعين من الزغاوة (قلا) والعرب (أولاد زيد) واختلاف حول مطالب الديات والتعويضات دفعت بالقائد عبد الله أبكر ومني مناوي لحمل السلاح كما وان المفاصلة بين الإسلاميين دفعت بالدكتور خليل إبراهيم وهنالك ايضا مجموعات أخرى فمثلا الأستاذ عبد الواحد محمد نور حينما اعلن عن حمله للسلاح ولم تكن له علاقات سابقة بجون قرنق وبالتالي لا يمكن ان يكون من صنع قرنق أو الحركة الشعبية ولا اقول ذلك القول من دون شواهد بل لدي من الشواهد الكافية ، بعد إعلان عبد الواحد عن تأسيس حركته وكان ممن معه زميله المغفور له بإذن الله تعالى المرحوم الأستاذ بابكر محمد عبد الله أتيم كان بابكر يحمل معه افلام لمعسكرات الحركة في جبل مرة وذهب بها إلى أستديو في جنوب الخرطوم لتحميضها وطباعتها، لم تكن هنالك وسائل متطورة للتصوير وحينما اكتشف صاحب الاستديو ما في تلك الأفلام من صور لمعسكرات تحت الإنشاء اتصل بالأمن والإستخبارات وتم القبض على بابكر داخل الإستديو واودع بالمعتقلات لسنتين ونصف ،ولم يفرج عنه إلا بعد حملة مناصرة كبرى كما تشكلت هيئة دفاع من كبار المحامين كان على رأسها الأستاذ الصادق الشامي وجلال الدين السيد وأكثر من خمسين محاميا ترافعوا عنه وحينما تم اعتقال بابكر وكان ذلك عقب عام من إعلان حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد كانت حركة قرنق تمتلك الطائرات والعلاقات الدولية وتدير الأراضي الخاضعة لسيطرته من منطقة نيوسايد ولديها اذاعة الحركة الشعبية المسموعة ،ولو كانت حركة عبد الواحد صنيعة لقرنق مثلا لما كان زميله وشريكه في المكتب وفي تأسيس الحركة بابكر يبحث بالخرطوم عن استديو في جنوب الحزام لتحميض افلام نشأة معسكرات الحركة ، ولكن يمكن القول بأن الحركة الشعبية بقيادة قرنق كانت تبحث عن عبد الواحد في دارفور وليس بالضرورة عبد الواحد محمد نور نفسه بمثلما وجدت بولاد سابقا ، ووجدت نور بعد ان اعلن عن نفسه ، ولم يصنعوه بل صنع نفسه وحركته من الظلامات المتراكمة ، ووجدت الحركات المسلحة في بداية ظهورها التأييد من غالبية ابناء دارفور حتى الذين ترددوا وأمتنعوا كان لسان حالهم يقول لماذا لم تتشاور معنا قيادات الحركات قبل الإعلان عنها .
في المقالات القادمة سأكتب عن مساهمات المجتمع الدارفوري والسوداني والخارجي في تعزيز مطالب الحركات المسلحة باعتبارها مطالب مشروعة وعادلة ،ولو لم تكن كذلك أو تركت للحركات وحدها لما صارت في فترة وجيزة القضية التي تصدرت وتربعت لعدة سنوات متواصلة منضدة مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان بجنيف والمنابر الإقليمية والدولية ، وقد تراجعت مؤخرا لعدة أسباب منها إرتباط قيادات الحركات المسلحة المنضوية للسلطة بقسمة المحاصصات ومكاسبها الذاتية حتى انتهى بها الحال للمشاركة في اعتصام القصر (الموز) وهتافات الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع ، فتلابست الأشياء للكثيرين من خواء تصريحات قيادات بعض هذه الحركات ، وصار هنالك من يسأل عمن صنع الحركات المسلحة في دارفور من أمثال الأستاذة رشا عوض .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.