اخر الاخبار

المحكمة الجنائية الدولية في اختبار ثاني :

0


الصادق علي حسن :

انغام الحرية

أعلن مدعي عام محكمة الجنايات الدولية كريم خان الإتجاه لفتح تحقيق جنائي جديد بشأن جرائم الحرب المرتكبة في السودان وفي ولاية غرب دارفور ، هذه الخطوة تعد إيجابية في حد ذاتها فليس من المسؤولية ان تلتزم الجهات التي تمتلك سلطات وصلاحيات ملاحقة مرتكبي الجرائم والإنتهاكات الجسيمة والموصوفة في القانون الدولي الإنساني بجرائم الحرب والإبادة الجماعية الصمت تجاه هذه الإنتهاكات والجرائم الجسيمة المرتكبة وتكتفي بالمشاهدة وكتابة التقارير بخاصة ان دولة السودان تجاوزت مرحلتي عدم الرغبة أو القدرة ، ولم تعد لديها مؤسسات عدلية أو محاكم لتباشر انفاذ القانون أو أجهزة دولة حقيقية و قد وصلت الدولة لحالة فقد ركن السلطة ذات السيادة وهو احد اركان الدولة الثلاثة ، كما وبالضرورة على الجهات المعنية ان تقوم بتقييم عمل المحكمة الجنائية الدولية الذي بدأ بموجب قرار الإحالة من مجلس الأمن بالقرار ١٥٩٣ /٢٠٠٥ وحول مدى قدرة المحكمة الجنائية الدولية على تحقيق الملاحقات الجنائية بصورة تضمن الحيلولة دون إفلات الجناة من العقاب ، حتى لا تصبح محصلة نتائج أعمال المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية عبارة عن تقارير تقدم لمجلس الأمن الدولي وبيانات وتصريحات صحفية بعد انتظار طويل لسنوات وترقب لسير إجراءات محاكمات بطيئة وغير مقنعة لأحد كما يحدث في محاكمة المتهم علي كوشيب والذي تحول إلى بطل لدى المليشيات ونموذجا .
كفاءة لجنة كاسيسي :
اللجنتان الوطنية والدولية للتحقيق بشأن الجرائم المرتكبة في دارفور ما بين عامي 2003 إلى 2005، قامتا بتحقيقات معتبرة ولكن النظام البائد لم يتعامل مع نتائجهما بمسؤولية ، اللجنة الوطنية شكلها المخلوع نفسه برئاسة مولانا دفع الله الحاج يوسف وفي عضويتها كبار القانونيين والإداريين كان من ضمنهم مولانا عمر الفاروق شمينا والأستاذ غازي سليمان المحامي والإداري فؤاد عيد وذلك بغرض طمس الحقائق ولكن اللجنة المذكورة عملت بمهنية واصدرت تقريرها الذي كان يحتوي على حقائق ومن ضمن ما ذكرتها اللجنة في تقريرها عملية الإزاحة التي تمت لسكان منطقة أبرم بالقرب من مدينة كاس بجنوب دارفور وتهجير سكانها والإستيطان فيها وحذرت من خطورة ذلك وتأثيره في احداث زعزعة التماسك المجتمعي بالبلاد ، وكانت اللجنة الوطنية من ضمن من سمعت لها إفادات من هيئة محامي دارفور بشأن الجرائم المرتكبة في دارفور و الإجراءات التي باشرتها في فتح البلاغات الجنائية والمذكرات التي قدمتها ومن ضمنها مذكرات للمخلوع نفسه كما وأخذت علما بالوقائع التي رصدتها والجرائم التي تحرت فيها وتقصت عنها وتيقنت من صحتها وابرزتها من ضمن نتائج تحقيقاتها النهائية، كما وضعت أسماء اعضاء الهيئة على راس قائمة من التقت بهم كمرجعية في تقريرها النهائي ، وحينما وصلت لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الإيطالي انطونيو كاسيسي وكان من ضمن عضويتها وزير الدولة الأسبق بالخارجية المصرية ومسؤول المنظمة العربية لحقوق الإنسان الدبلوماسي المصري محمد فائق ، طلبت اللجنة الدولية سماع الهيئة وبالفعل سمعت لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي كاسيسي للهيئة وهي بكامل عضويتها كما واهتم كاسيسي بما ورد في إفادات الهيئة عن تواجد لعدد من النساء من ضحايا الإغتصاب في دارفور اللآتي وصلن إلى الخرطوم ، وعلى الفور وجه لجنة فنية مختصة من مساعديه بسماع أقوال النساء اللآتي تعرضن للإغتصاب، ووصل الفريق الفني إلى الحاج يوسف الوحدة إلى آخر كرتون شرق سوق ستة الوحدة وبتأمين عال، وعلى ضوء المسارج جلس المحققون الدوليون على البروش وتم سماع أقوال النساء وما كان ملفتا للإنتباه أنهن لم يطلبن اي نوع من انواع المساعدة حينما ذكر لهن عن اي مساعدات يمكن ان تقدم لهن بل ذكروا انهن راغبات في العودة إلى ديارهن ومناطقهن التي تم اغتصابها أيضا وذلك حيثما خرج منها من احتلوها كما طالبوا اللجنة ان يوقفوا الجرائم التي ترتكب على النساء والأطفال بالمنطقة وقد تم قتل عشرات الرجال.
مفارقات :
جرائم حرب دارفور المرتكبة بواسطة المليشيات المساندة للنظام كانت بشعة بخاصة جرائم الإغتصاب وكان النظام وعلى رأسه البشير بارعا في إنكارها حتى نسب له شيخه الترابي ما يتعفف المرء عن الإستشهاد به،وما يحدث الآن قد تكون ما العقوبة الآلهية ودعاء المظلومات بمثل دعاء صلاة قنوت اهالي اليمن من مصدري البندقية المستأجرة ، وغالبية ضحايا جرائم الإغتصاب كن من النساء وفتيات المعسكرات البسيطات اللآتي نزحهن من مناطقهن ، ولم تكن تلك النسوة تعرفن ماهية الهجرة إلى دول الغرب كما كان كل همهن العلاج مما وقع عليهن من آثار نتجت عنها امراض بدنية ونفسية والعودة إلى ديارهن الأصلية، و لكن هنالك من قام بتوظيف التعاطف الدولي لضحايا الإنتهاكات ومساندتهن للحصول على اللجوء السياسي و من الأمثلة السيئة خريجة في جامعة بالإقليم الأوسط وهي متحدرة من دارفور ولكنها صارت من الإقليم الأوسط بالميلاد والسكن، ولم يسبق لها ان زارت دارفور ، تقدمت هذه الخريجة بطلب لجوء باعتبارها من ضحايا الإغتصاب وقد حصلت عليه، ولأن روايتها المفبركة كانت مؤلمة لمن يسمعها ومثيرة للإشفاق وتحض للتضامن الإنساني قامت إحدى المنظمات بطباعة قصتها في كتاب ثم اتضح لاحقا بان القصة برمتها مفبركة لغرض الحصول على اللجوء، التزم الجميع الصمت لهذه الفضيحة الكبرى .
سوق تجارة بالنساء :
هنالك في الوسائط شائعات متداولة عن اسواق لتجارة النساء في دارفور وهذه الإشاعات والأقوال وصلت إلى اروقة المحافل الدولية كما وهنالك مزاعم ببيع وشراء ومثل هذه الأقوال بالضرورة التعامل معها بحذر شديد، لا توجد هذه الأسواق المدعاة ولكن حدثت حالات عديدة لإختطاف لنساء ورجال و لم يتم عرض المختطفين/ات في الأسواق ولكن اوضاع أولئك اشبه بالرهائن والأسرى ، النتيجة واحدة ولكن هنالك اختلاف في التوصيف، والهيئة تتابع الآن أوضاع ثلاثة عشرة من نساء غرب دارفور المختطفات وإمراة ورجلان تم اختطافهم من جراء الهجوم واستباحة مدينة كاس ، ولسلامة الإجراءات والوصول إلى الحقيقة المجردة يجب عدم الإنسياق وراء حكاوي بعضها قد تكون من نسج الخيال ثم تعتمد عليها مؤسسات حقوقية دولية لتأتي بنتائج عكسية تماما .
المحكمة وملف دارفور :
بالضرورة ان تركز المحكمة الجنائية الدولية على القضايا المنظورة امامها بموجب الإحالة السابقة من مجلس الأمن الدولي وتصل فيها إلى نتائج وإن تعزز من بيناتها بالطريقة التي تضمن الوصول إلى أحكام مرضية في القضايا المقيدة حاليا أمامها، أما بشأن الجرائم المرتكبة حاليا بالضرورة إجراء المشاورات الكافية حتى تتخذ بشأنها القرار السليم .
جرائم مدينة الجنينة :
الجرائم المرتكبة بمدينة الجنينة من افظع الجرائم التي ارتكبت منذ تأسيس الدولة السودانية، وبالضرورة النظر إليها من كل الجوانب ، كما ويجب ان تتماشى كل متعلقات معالجة الأزمة مع بعضها البعض ففي حرب دارفور بآثارها المستمرة لا يزال مئات الآلاف من المتأثرين بالإنتهاكات الجسيمة في المعسكرات في إنتظار العدالة والإنصاف واي فتح لدعاوي جديدة يجب ان يتسق مع الإهتمام بالدعاوي المنظورة وان لا يتخذ المدعي العام بمحكمة الجنايات الدولية من الإتجاه لفتح دعاوى جديدة مخرجا للتستر على القصور البائن في دعاوي جرائم دارفور بالمحكمة ويكون سببا في تأخيرها، كما ومن نتائج الحرب في دارفور ان الإنتظار لعقدين من الزمان ساهم في إنقطاع المتأثرين عن مناطقهم مما سهل في وضع اليد عليها بواسطة الغير ، لذلك ومن الدروس المستفادة من تجربة جرائم الحرب في دارفور بالنسبة لتجربة جرائم مدينة الجنينة المرتكبة، بالضرورة التمسك بتحميل الأمم المتحدة مسؤولية عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية إلى جانب تعزيز دور الملاحقات الجنائية بدعم دولي وقد يكون خيار محاكمة مرتكبي الجرائم داخل مدينة الجنينة نفسها أكثر وأمضى ردعا للجناة من لاهاي ، كما ان إلهاء اللاجئين بالمحكمة الجنائية الدولية يجعلهم في حالة إنتظار لفترة طويلة قد تمتد لسنوات وقد تؤثر في سرعة عودتهم إلى مناطقهم ، وكلما طال الإنقطاع عن الأرض قد ينجم عن الإنقطاع الطويل فقدانها وتسهيل تملكها بواسطة الغير .
نتيجة مخيبة :
نتائج المحكمة الجنائية الدولية في ملف جرائم دارفور الأولى حتى الآن مخيبة للآمال انتهت بمثول احد عتاة مرتكبي الجرائم والإنتهاكات الجسيمة أمام المحكمة وطواعية بحسب بيان صادر من المحكمة نفسها والكارثة ان تتكرر ذات المشاهد ثانية،البسطاء من اهالي مدينة الجنينة الذين أجبروا على اللجوء إلى تشاد قد تكون الإجراءات الجنائية التي تطال الجناة من خلال القبض عليهم وايداعهم بأقسام الشرطة وسجن أردمتا وايقاع عقوبات الأعدام على مرتكبي جرائم القتل الجزافي والتمثيل بجثث الشهداء، فيه من القصاص والردع ما قد لا يتحقق في لاهاي .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.