اخر الاخبار

قراءة وتعليق في مقال الدكتور الدرديري محمد احمد بعنوان (حتى لا نكسب الحرب ونخسر الوطن) -4-

0


الصادق علي حسن :

الإتفاق على الوقائع والإختلاف في التسبيب والنتائج .
في مقالات الدكتور الدرديري محمد أحمد عما أسماهم بعربان الشتات والتشريقة تناول وقائع عن بدو حزام الصحراء الغربي وعن مشروعهم للإستيلاء على السلطة والاستيطان بالسودان ، هذه الوقائع تحتاج إلى بحث متكامل من كل جوانبها قبل التقرير بشأن مدى صحتها، كما هنالك عدم الدقة في التسبيب وفي وصف وتحديد النتائج التي وقعت بالفعل والنتائج المحتملة ، ففي السرد الوقائعي للدكتور الدرديري يرى ان هؤلاء البدو قد انتظموا في مشروع ومخطط خارجي له أهداف وخطط سياسية ومشروع استيطان، ولكن الباحث المُنقب قد يجد ان هؤلاء البدو الذين لم يجدوا التعليم والمعرفة ولا قيم التربية الروحية في مضاربهم هم انفسهم ضحايا وتعرضوا للإستغلال والإستخدام في مشروعات عمليات سياسية يجهلون بواطنها ، ومايدركونها فقط المكاسب الظاهرية التي قد تأتي إليهم من جراء خوض الحروبات والقتال ومناصرة أبناء القبيلة بخاصة الذي صار حاكما، كما والآن يقاتلون بشراسة متناهية وقد صارت الخرطوم أرض غنائم وسبايا مثلما ذكر الدرديري وكما حدث في دارفور عام ٢٠٠٣ عند استخدامهم بواسطة حزب المؤتمر الوطني في محاربة الحركات المسلحة ، وكما يحدث باليمن والتي صارت وجهتهم للحصول على المرتبات الضخمة والأموال والمزايا الأخرى وذلك ما لم يذكره د الدرديري في مقالاته الثلاثة ، التسبيب والوصف الصحيح الذي تجاهله د الدرديري ان نظام حزب المؤتمر الوطني هو أول من قام بصورة ممنهجة بإستغلال واستخدام العرب البدو في الحرب والعملية السياسية بالسودان ، كما وقام بتغيير انماط حياتهم الرعوية ليس من أجل تطويرهم وليته فعل ذلك ، ولكن خدمة لأجنداته ، فصارت لديهم كافة انواع الأسلحة المتطورة بدلا عن الأسلحة التقليدية كما وتركوا التنقل والترحال بحثا عن المراعي لإبلهم ودوابهم ليرتحلوا إلى معسكرات التجنيد بالسودان والقتال باليمن ، ثم كان التسابق المحموم في التجنيد لحرب الإرتزاق باليمن منذ عام ٢٠١٥ من خلال الإلتحاق بقوات الدعم السريع جنبا إلى جنب مع جنود الجيش السوداني لحماية دولتي السعودية والإمارات ، لم تكن لقوى الحرية والتغيير أي مساهمات في نشأة أو تطور قوات الدعم السريع ، فنخب الحرية والتغيير كانت مجرد أغطية في عهد الدكتور حمدوك كما وكان د عبد الله حمدوك نفسه مثلها تماما كالكمبارس ، ومن خلالهما تمكنت عناصر اللجنة الأمنية للنظام البائد من تمرير مخططاتها كما تمكن حميدتي ربيب نظام المؤتمر الوطني من شرعنة جيشه الذي سن له نظام المؤتمر الوطني قانونا خاصا به في عام ٢٠١٧ ليحل محل سلاح مشاة الجيش السوداني، كما وقام البرهان في عهد الثورة بالغاء المادة (٥) من قانون قوات الدعم السريع لتصبح قوات الدعم السريع مستقلة عن الجيش ، وكان ذلك لأغراض ومآرب ذاتية خاصة به لاستخدامها كقوة موازية في حفظ موازنات مراكز القوى داخل المؤسسة العسكرية ولحماية نفسه من زملائه العسكريين الذين قد يتطلعون مثله إلى السلطة وحتى لا تخرج منه ، ومن اجل الحفاظ على السلطة لأطول فترة ممكنة كما فعل البشير سار في نفس درب سلفه ، إن نخب قحت قدراتها متواضعة كما وصارت أيضا أداة من الأدوات في ممارسات ايادي قيادة الجيش والدعم السريع وكان ذلك مقابل حصولهم على فتات الموائد والسلطة التنفيذية الصورية وأعمال السيادة التشريفية ،اما ومن تحت التربيزة فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر كما ظل يردد مناوي، إن مشروع عربان الشتات في الاستيطان والسلطة كما اسماه د الدرديري منشأه حزب المؤتمر الوطني ، فهذا الحزب هو اول من قام بإستجلاب واستخدام العرب البدو في العملية السياسية السودانية ،كما حتى ان بروز أصابع لأسرائيل والإمارات لم يحدث إلا من خلال حزب المؤتمر الوطني وقياداته ، وحينما فاجأ شباب قوى ثورة ديسمبر المجيدة كل العالم والتنظيمات السياسية بالبلاد وأرتبط مصير البلاد بشعارات الثورة ورموزها (حرية ،سلام ،عدالة)، تحولت أصابع الإمارات والسعودية إلى بعض نخب قوى الحرية والتغيير وذلك لتأمين مصالح إستراتيجية للدولتين مثل مشروعات المواني الحيوية والأراضي الزراعية الخصبة الشاسعة والهيمنة على القرار السياسي والإبقاء على الجيوش المستأجرة للقتال باليمن وقطعا لم يكن ذلك بدوافع تعزيز الديمقراطية بالسودان ، بل وصل الحال لخطط دولة الإمارات مثلما يتم التداول حوله في الورش ومراكز الدراسات الإستراتيجبة والبحوث لإنشاء جيش احتياطي من العرب بدو الصحراء يتم استخدامه لاحتياجات وتطلعات الأمير محمد بن زايد ومن دون ان تتحمل دولة الإمارات التبعات السياسية الدولية وذلك تحت غطاء أنظمة حكومات وطنية بمثل حكومة الرئيس النيجري المنتخب والمقال محمد بازوم والذي تم انتخابه ديمقراطيا في عملية إنتخابية ظلت منذ قيامها تخضع للتقييم والدراسة للغربيين بمدى إمكانية نجاح هذا الأنموذج في رواندا ودول أخرى حيث لا زالت الدراسات تؤكد بان التجربة الرواندية بكل ما وجدتها من دعم وزخم دولي متواصل ونموذج عن العدالة انتقالية تدرس في الدول الأفريقية والدول المماثلة حول السبل الأمثل لتسوية المنازعات القبلية على السلطة بافريقيا كما وفي الدول التي تعاني من التجارب المذهبية أو الطائفية الشبيهة في أسيا ، وظلت هنالك دراسات عميقة حول الواقع في تجربة كيغالي تشير بان المجتمع القبائلي في رواندا قد تغير شكلا كما وان هنالك تطورا مشهودا في التنمية الإقتصادية و المدنية ولكن ذلك كله غير كافيا لتشهد رواندا تجربة ديمقراطية مستقرة من دون انتاج للنزاعات التقليدية بين الهوتو والتوتسي فالواقع في رواندا يشير بإنه إذا أجريت اي إنتخابات عامة بلا أي تأثير محلي أوخارجي فان أغلبية الهوتو ستعود حتما إلى السلطة من مدخل القبيلة ، ومهما كانت المكاسب التي تحققت في رواندا ونموذج العدالة الإنتقالية الذي يحتفي به العالم الغربي في رواندا ففي وأقع الأمر حتى هذا الأنموذج من اختراع النخب ولم ينبع من تجارب محلية تلقائية، لذلك كانت تجربة محمد بأزوم في النيجر الانموذج الأهم والجدير بالإحتفاء بوصوله إلى السلطة من خلال إنتخابات عامة عام ٢٠٢١م ومهما كانت المآخذ على العملية الإنتخابية فقد جديرة بالإعتبار خاصة وان عرب دولة النيجر هم أقلية عددهم يتجاوز 1% كما وتعرضوا لحملة كراهية تدعو لطردهم من البلاد في عام ٢٠٠٦م ، ووصول بازوم بالإنتخاب للمنصب الأول بالبلاد يعني إمكانية حدوث تغيير إجتماعي وسياسي لصالح بناء الديمقراطية التي لا ترتكز على القبيلة في أفريقيا ، ولكن هذا الأنموذج قد إنهار بالإنقلاب عليه بواسطة الجيش والتأيبد من قبل غالبية مواطني النيجر كما والتنديد من محاور المصالح الخارجية وعلى راسها فرنسا التي لها حاميات عسكرية بالنيجر لم يأت من باب الحرص على الديمقراطية وهذا ما يظهر المفارقات بين الأجندات الدولية في أفريقيا وواقع المجتمعات المحلية .
السودان الآن في شباك المطامع الإقليمية والدولية، ولكن حزب المؤتمر الوطني هو من أدخل السودان في هذه الشباك ، إن نخب قوى الحرية والتغيير تجد نفسها في لقاءات ممثلي البعثات الدبلوماسية والتصريحات الإعلامية وليست لديها ما تفعلها اكثر من البحث عن مظاهر السلطة وليست لديها اي خطط لإدارة الدولة ولا عن العملية الإنتخابية التي تطالب بها، بل ولا تمتلك حتى اي خطط لتنظيم العملية الإنتخابية وقد كشفت نتائج الحرب الدائرة حاليا بان حميدتي هو الوحيد الذي كانت له نظرة حول كل الإحتمالات بما في ذلك العملية الإنتخابية ، كما والباحث في تجربة حميدتي يجد انه يمثل الوصف الذي تحدث عنه الرئيس الأثيوبي الأسبق منقستو هيلامريام والذي كان يرد على الأصوات التي تتهم اثيوبيا بانها صنعت قرنق، وقال في ذلك الرد بانهم في اثيوبيا كانوا يبحثون بالفعل عن اي قرنق في السودان وقد كان الرئيس النميري يدعم الحركات المسلحة في اثيوبيا وارتريا والتغراي واثناء البحث عن اي قرنق ، ظهر جون قرنق وأعلن عن نفسه وحركته ووجدناه ، وان اثيوبيا لم تصنع قرنق ، وإنما قرنق صنع نفسه كما ساهمت ظروف ببلاده في صناعته . أما حميدتي فقد كان هو الأخر له اعماله الخاصة بمدينة نيالا مثل تجارة الأبل وشارك جنديا بحرس الحدود الذي قام الجيش بتأسيسه بقيادة موسى هلال واستقل بنفسه وكون مليشيا الجندي المظلوم ، ثم لتقديرات النظام البائد في أضعاف نفوذ موسى هلال قام النظام البائد باستبدال هلال بحميدتي الذي تدرج وعين في منصب مستشار لوالي ولاية جنوب دارفور للشؤون الأمنية ثم قائدا لقوات عسكرية بمواصفات خاصة برتبة عميد ثم قائدا لجيش بقانون خاص فنائبا لرئيس مجلس السيادة ثم طامحا لرئاسة البلاد سواء بالحرب أو الإنتخابات ، حميدتي مثل قرنق بدأ صناعة نفسه بإنشاء مليشيا الجندي المظلوم ووجد النظام البائد ضالته فيه ،كما وجد فيه البشير حمايته الشخصية (حمايتي) ووجد فيه البرهان طموحاته في الحفاظ على السلطة كما وجد فيه قبل ذلك طه عثمان الحسين وعبد الغفار الشريف وآخرون ممن يعملون في خدمة أجندات لدول خليجية اجنداتهم الشخصية وأجندات مخدميهم الخليجيين ، كما وجد حميدتي مؤخرا ضالته في قوى الحرية والتغيير وبالرغم من تعليمه المحدود وتجربته السياسية القصيرة ، تمكن حميدتي بدهائه وذكائه الفطري من توظيف كل هذه الأجندات للوصول إلى منصب الرئيس وكانت أجندات محمد بن زايد تحتاج لوجود شخص بمواصفات حميدتي في رئاسة السودان، وذلك ما لا تدركها نخب قوى الحرية والتغيير التي حصرت وسائلها في البحث عن السلطة لدى حميدتي والعسكر وهي تعلم بان الديمقراطية بالبلاد لن توصلها إلى السلطة ، فصارت من ادوات حميدتي لتنل عبره السلطة الصورية. إن دولة الإمارات تدرك تماما بان بقاء الجيوش المستجلبة من السودان باليمن بشقيها (جنود القوات المسلحة وقوات الدعم السريع) لن يستمر طويلا، كما ان المشروعات الحيوية مثل مواني بورتسودان والحصول على الأراضي الشاسعة والتنقيب عن المعادن والذهب وتهريبه مباشرة عبر المطار لن يستمر طويلا في ظل اي حكومة مدنية مستقرة، كما وهنالك خفايا وخبايا في المسكوت عنها لن تمر إلا من حميدتي أو عسكر وفي ظل غياب الديمقراطية بالسودان .
الأخطاء الفادحة :
تناول د الدرديري ظاهرة بروز أصوات عديدة تطالب بإنهاء دولة ١٩٥٦، وخطورة هذه الأصوات التي تعالت مؤخرا خاصة ممن اسماهم بعربان الشتات، لقد ذكر دكتور الدرديري مساهمات القبائل العربية بغرب السودان مع رصفائها في مدن ومناطق السودان الأخرى في تأسيس السودان والدولة المهدية وفي دولة ٥٦، وما يلاحظ في كتابات د الدرديري انه يتحدث عن الثقافة المدنية والدولة السودانية المتعددة الأعراق والثقافات وليس من خلال نظرة الإنتماءات العرقية والأثنية الضيقة أو الركون للقبلية، وهذه محمدة في التفكير بالنسبة للمثقف السياسي بغض النظر عن ممارسات حزبه المؤتمر الوطني، ولكن الدكتور الدرديري وهو في سعيه في التماس التبرير لحزبه المؤتمر الوطني تجاوز مسؤولية حزبه ونظامه البائد عن كل ما لحق بالبلاد من كوارث وأزمات، هذا الحزب الذي لم يتعظ من تجاربه واخطائه المتكررة وقد خرج مؤخرا من مخبئه بذات عقلية الوصي على هذه البلاد حينما كان في السلطة بالرغم من تجربته الفاشلة التي استمرت لثلاثة عقود واظهر خلالها إفتقاره لأدني المؤهلات الأخلاقية التي يمكن ان تسعفه ليخول لنفسه مثل هكذا مزاعم ، صحيح لقد برزت هنالك أصوات ومنها المؤيدة للدعم السريع والتي تطالب بأنهاء دولة ١٩٥٦، ولكن هذه الأصوات تجهل ماهية دولة ٥٦ ، كما وأن غالبيتها ستكون أول من يخسر النتائج، ذلك ان انهاء دولة ٥٦ يعني إعادة الأوضاع القائمة إلى ما قبل استقلال السودان، ووقتذاك كانت هنالك ممالك وسلطنات ومكوك ومشيخيات وغيرها . ومن كلفورينا اعلن د سيف الدين الجنيدي عن تكوين حركة التيار السياسي الرابع للعدالة والتنمية وكتب عن الإعتراف الإنساني والدستوري والقانوني بالمواطن السوداني ووصفه بانه مجهول الهوية ،كما وكتبت د أمل كردفاني أمينة الشؤون القانونية بالحركة المذكورة في اليوم التالي للإعلان عن تكوينها وذلك عن شروعها في مخاطبة المملكة المتحدة المستعمر السابق للسودان بل ومقاضاتها لتسليمها السودان لما اسمتهم بورثة الإستعمار ، وما لا يعلمه د سيف الدين الجنيدي ولا تعلمها د أمل كردفاني بان نتائج ومآلات هذه المطالبات التي لا تعدو كونها مجرد كتابات في الوسائط لأغراض الإستهلاك السياسي ، فإن النتيجة هي أعادة الأوضاع التي كانت قائمة قبل الإستعمار ودولة ٥٦ ، وإذا حدث ذلك ، ففى دارفور كانت هنالك مملكة الفور والمساليت وقبل ذلك مملكة الداجو ووجود للمكونات الإجتماعية الأخرى ، وبإنهاء دولة ٥٦ تلقائيا لن تكون المراكز القانونية التي بموجبها نشأت حقوق المواطنة للسودانيين قائمة ، كما ولن تكون هنالك جنسية سودانية تجمع مواطني الدولة السودانية ، وهذا ما يجهله من قاموا من حركة التيار السياسي الرابع بدعوة حميدتي إلى التقدم وإعلان السيطرة على الدولة كما واشترطوا على كل من يرغب في المشاركة في السلطة بان ينضم ويشارك في القتال مع الدعم السريع أولا ،وان الديمقراطية صارت تصنع في الميدان وليس في الغرف المعلقة كما ذكروا في ادبياتهم .
وردت بعض المعلومات عن دولة ١٩٥٦م في مقال د الدرديري ، تحتاج إلى التوضيحات بالتناول في مقالنا القادم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.